19‏/08‏/2007

مذكرات طالب طب أراد مرة أن يكون مجتهداً 1




الفصل الأول ... ثورة



إني عادةً لا أكتب أية مذكرات، لكن ما حدث لي استَحقَ أن يُكتَب و أظنه يستحق أن يُقرأ أيضاً


أتعرفون ذلك الشعور اللذيذ الذي ينتاب كلاً منا قبل النوم وهو متمدد على فراشه غارقٌ في الظلام الصامت؟ ذلك الجو الذي يحثنا على التفكير و يوقظ فينا عين الخيال فيمر أمامنا شريط اليوم الذي انقضى و نرسُم لأنفسنا لوحة اليوم الذي هو آت..


كنت أمر بحالة يقظة ما قبل النوم تلك – كما أحب أن أسميها – و أخذت أراجع يومي.. يومي الذي يتكرر مرات و مرات، و كأنه لعنةٌ أبدية أصابتني، محكوم على أن أبقى تحت تأثيرها حتى الفناء. لعنة تذكرني بذلك الفيلم الأمريكي – و الذي لا أذكر اسمه كالعادة - حين يستيقظ البطل كل صباح واجداً اليوم هو الأمس، و يكتشف أن غداً هو الأمس أيضاً و بعد غد هو الأمس كذلك. و كأن الزمن قد اختار التوقف عند نقطة بعينها و يأبى أن يبارحها.


لست من الذين لا يزورون الكلية إلا لِماماً، فأنا أذهب إليها من مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً. عادةً، أستيقظ في التاسعة و أجر نفسي جراً لأخذِ حمام يستنفر فيَّ البقية الباقية من يقظةٍ استهلكت معظمها في السهر ليلةً الأمس.
أرتدي ثيابي على عجل و أهم بالخروج و لكن هيهات، لا بد من إجابة أمي على سؤالها المعهود " هتفطر يا ابني؟ " بإجابتي المعهودة " لأ، هفطر مع صحابي في الكافيتيريا "


الحقيقة أننا مرابطون في الكافيتيريا و متواجدون دائماً و أبداً حول الملعب كما تتواجد بكتيريا

"flora"
دوماً في جسم كل منا أو كما يتجمع الذباب – و عذراً على استخدامي لهذا التشبيه – حول فطيرة محلاة.


ماذا نفعل هناك؟؟ لا شيء مفيد، فعلاً لا شيء. لا نحل قضايا الشرق الأوسط و لا نناقش النظرية النسبية لأينشتاين و لا نسأل أنفسنا ما فسيولوجية الغضب، هذه أمور لها أناسها ذوي العقول الفارغة الذين يجدون متسعاً فيها لمثل هذا الهراء. أما نحن، فلنا ما هو أهم و أخطر. نحن نتفنن في إضاعة الوقت، و لو أرادوا منا أن نعلم لاعبي المنتخب ذلك لفعلنا بكل جدارة، لا أظن أن هناك من هو أقدر منا على ذلك. و لو زعم أحدهم هذا فهو كاذب.


نقضي الوقت في المزاح أحياناً و لعب الكرة أحياناً أخرى .. و في الغالبية العظمى من الأوقات نحتل أقرب ( سايبر ) كجنود هتلر عندما احتلوا معظم أوروبا، لنلعب
fifa 2007
و tibia
- على الخط - بالطبع.


و لا بأس أحيانا من حضور بعض المحاضرات و السكاشن – التي يتبين لنا في غالبية الأحيان أنها لا تمت لسنتنا الدراسية بأدنى صلة - وذلك من باب العلم بالشيء و أيضا
to increase the medical knowledge
و التي لا نملك منها الحد الأدنى على الإطلاق.


و هكذا دواليك يومياً حتى تغلق بوابات الكلية فأعود لمنزلي و لا أفعل شيئا سوى الأكل و النوم و ربما فتحت كتاباً أو اثنين محاولاً أن أستذكر شيئا فأصدم بالكم الهائل من الطلاسم التي يُفتَرض بي أنا أن أفهمها بل و أحفظها أيضا. و أفكر و أنا في تلك الحال لم لا تهبط علي العبقرية فجاةً من السماء أو أن أملك مصباح علاء الدين فأطلب من الجني أسئلة الامتحان بإجاباتها، أريأتم كم أنا قنوع ؟؟ لم أطلب منه أن يحل لي الامتحان..


في المساء و حين يجن الليل، يمر علي أصحابي. يصطحبونني لنخرج معا، لنفعل شيئاً ما، ما كنهه لا ندري، لكننا نمارس هوايتنا الأثيرة، إضاعة الوقت بلا طائل. نلعب بعض الـ
Play Station
و قليلاً من البلياردو. و نذرع الشوارع الهادئة جيئة و ذهاباً بلا هدف محدد و نظل كذلك إلى أن يصيبنا الملل فنفترق و نعود إلى منازلنا بعد أن يحل الفجر أو يوشك على الانبلاج.


أراكم تتساءلون: أين أباك من هذا كله؟؟ أقول إنه قد يئس مني و انعدم أمله في، تجاوزنا مرحلة الصراخ و السباب بكثير. و صلنا إلى مرحلة من اللامبالاة المتبادلة، هو لا يبالي بي و أنا لا أبالي بلامبالاته لي. الشيء الوحيد الذي يسكته عني حتى الآن هو أني و مع كل هذا أنجح.


الحق أني لا أعرف كيف نجحت في السنتين السابقتين؟؟ أهو توفيق من الله سبحانه و تعالى أم أن غبائي قد تحول في لحظة ما إلى لمحات من العبقرية؟؟ أم يا ترى هو ذلك الوحي الإلهي الذي يتنزل عليك في لحظات يأسك العظمى و أنت تمسك ورقة الامتحان بيدك غير عارف بم ستجيب. تلك اللحظات التي تدعو ربك فيها بكل صدق و خوف و رجاء. تقلِّب الورقة بين يديك كمن يتعرف على هذا الاختراع العظيم لأول مرة.


الآن و بعد كل هذا التفكير العميق في الظلام؛ وجدت أني مللت هذه الحياة، مللت كل شيء فيها، مللت تفاهتي و تخاذلي، مللت كسلي و تراجعي، مللت عجزي و انكساري، مللت كوني لا شيء. و قررت بيني و بين نفسي أن أتبع جملة
Chicken Little
الشهيرة:
Tomorrow is a new day

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،أعجبتني مذكراتك لا للأحداث التي تحتويها وإنما لأنها شبيهة بما أشعر به فأنا أيضا طالب في الطب و قد مللت حياتي التافهة البعيدة عن الله وفي كل ليلة يترائى لي ذلك الإنسان العبد العالم،ذلك الإنسان المتفوق الناجح المخلص لله،ذلك الرجل الذي يفعل كل شيئ لينال رضا الله،أمني نفسي بأني سأكون ذلك الرجل غدا ولكني أستيقظ على عجلة من أمري أصلي بسرعة وأخيانا لا أفطر إلا في الكافيتاريا ... وهكذا أنا كل يوم...مللت أن أكون لا شيء...أخاف الموت قبل أن أقدم شيئا للإسلام...ماذا أفعل ...إني في حيرة...والوقت يمر...أرجو ممن قرأ هذا أن يعطيني حلا عمليا لعل الله يهديني على يديه ...

FreeKiller يقول...

صدقني
كلنا هذا الرجل
و كلنا نفسنا نعمل حاجه
بس المهم اننا نحاول
مش المهم اننا ننجح
المهم اننا نعمل حاجه
بكل طاقتنا
و ان شاء الله ربنا مش هيضيع لنا تعب

بس ما نكسلش
:)

نورتني