19‏/08‏/2007

مذكرات طالب طب أراد مرة أن يكون مجتهداً 2


الفصل الثاني ... بداية التغيير

استيقظت مبكراً على غير العادة مما جعل كل من في البيت يتساءل عما إذا كنت مريضاً، أضيفوا إلى ذلك أن اليوم هو يوم الأحد و أنا لم أذهب للكلية يوم الأحد من قبل. كل هذا كان كفيلا بإثارة ارتيابهم إن لم يكن ذعرهم. أكاد أقرأ الشكوك في عيني أمي " ناوي على أنهي بلوة النهاردة؟ " لكنها لا تريد أن تفصح و لا تريد أن تسأل. و أنا أحترم ذلك لذا لم أفسر و لم
أحاول حتى أن أفعل..

لا داعي لذكر كل تفاصيل عاداتي الصباحية المملة ثانية، لذا سأقفز مباشرةً إلى لحظة وصولي للموقَف. و يا لهول الموقِف، أعداد غفيرة من البشر، لا بداية و لا نهاية لهم. لا تجد مثل هذه الأعداد الغفيرة إلا في ممالك النمل. لا تشعر بوجودك بينهم. يذوب كيانك وسطهم فلا تعود قادرا على تمييز نفسك.

الجو خانق، لا أستغرب هذا فكل ما في الجو من أوكسجين لا يمكن أن يكفي هؤلاء. إنهم يعملون كشفاط أوكسجين هائل أو كمكنسة كهربائية ضخمة لا تبقي و لا تذر. الحرارة تكاد تذيبني كقطعة من الثلج راهن سكير مخبول أنها لن تذوب في آتون نار مشتعل. و كأن الشمس هي الأخرى تعلن عن استغرابها لحالي اليوم و لكن بطريقتها الخاصة

كل من كان هناك وقف واجماً ينتظر، أسودٌ ترقب حماراً وحشيا يقوده حظه العاثر ليقع بين أنيابها، هذا هو أقرب تشبيه لهم و هم ينتظرون الـ ( ميكروباص ). كلما لاح في الأفق واحد من بعيد رأيت الكل يتأهب و يتحفز، كل منهم يعتبرها معركته الخاصة التي يجب أن يكسبها بأي ثمن. امتد مكوثي إلى ما يقارب الساعة، أنظر إلى معصمي من حين لآخر و الأمل في أن ألحق بأي شيء يتضاءل داخلي رويداً رويداً

و حين أوشك الأمل على الموت حدثت المعجزة ، و الحق أنك لا يمكن أن تركب في مثل هذه الظروف إلا بمعجزة، توقف أوتوبيس شرق الدلتا أمامي، كنت عند منتصفه لست أواجه بابه الأمامي و لا الخلفي. حاولت جاهدا باستماتة أن أصل لأحدهما فلم أستطع.

هنا جاء الفرج؛ سمعت من ينادي علي من إحدى النوافذ. كان صديقا لي أيام كنا في الثانوية سوياً. قال لي و أنا وسط التيار الهائل من البشر: " تعالى يا ابني يللا بسرعة.. إنت لسه هتدور عالباب ؟!! نط يا أخينا من الشباك و أنا هشدك .. يللا إنجز البتاع ده هيمشي دلوقتي " كانت هذه هي اللحظة التي ينتظرها عقلي الباطن ليسترد أيام المجد عندما كنا نقفز من فوق سور المدرسة للهرب. قفزت من خلال النافذة و في اللحظة التالية كنت في الداخل. أصابتني بعض الجروح القطعية، تمزق مني البنطال و فقد شعري هيئته و لكن لا يهم، المهم أني ركبت و أني الآن في الداخل.

قلت لصاحبي في غيظ: " مش معقول اللي بيحصل ده.. حتى أوتوبيس شرق الدلتا اللي ما حدش بيرضى يركبه.. على آخر الزمن أركبه بواسطة؟؟!! " قال لي ضاحكاً: " يا عم إحمد ربنا.. حد عاد لاقي.. إنت مش عايش في الدنيا و للا إيه؟" آثرت الصمت على الرد، لا أريد أن تؤخذ عني فكرة سيئة فطالب الطب أياً كان له هيبة لا يجب أن يفرط فيها.

ليست هناك تعليقات: