20‏/08‏/2007

مذكرات طالب طب أراد مرة أن يكون مجتهداً 7



الفصل السابع ... إلى عرين الأسد

قررت اللحاق بها في مكتبها بالقسم ضاربا عرض الحائط بمحاضرة ال
Microbiology ..
لست أفكر الآن سوى في استعادة كرامتي المهانة و لملمة أشتات نفسي التي بُعثرت في هذا اليوم . ثم إنه من المستحيل أن يذهب تعبي كله أدراج الرياح .. لقد قاتلت لأصل إلى هنا و أحصل على الشيت و لن أتردد في المزيد من القتال لأكلل مهمتي بالنجاح .
صعدت درجات السلم المؤدي إلى الطابق الرابع ثلاثةًً ثلاثةً في خفةٍ ليس لها مثيل . و عجبت من شجاعتي تلك ، ترى من أين أتيت بها و أنا الذي أعلم أني أسير نحو هلاكي حتماً و بكامل إرادتي الحرة و بكل قواي العقلية ؟؟

إن مقابلة تلك المرأة و لو بمحض الصدفة البحتة في أي مكان خارج الكلية أو داخلها ؛ له تأثيراته السلبية السيئة على كل من جربوه .. بدايةً بظهور مشاكل في الإبصار – وقف الأطباء مكتوفي الأيدي أمام كل من أصيب بها حتى الآن – مروراً بالإغماء و الهذيان و القيء و ارتفاع ضغط الدم و نهايةًً بالتبول اللاإرادي .. فما بالكم و أنا ذاهب إليها عامداً متعمداً ؟؟؟ مالبثت أن ألقيت بالأمر كله وراء ظهري عندما وصلت للطابق الرابع بالفعل .

سبحان الله !! لو كان أحدهم قد أخبرني قبل هذه اللحظة أنني سأزور هذا القسم الكئيب مرتين في يومٍ واحدٍ ، لكنت انفجرت ضاحكا ً و اتهمته بالجنون المطبق ، فأنا لا أدلف إليه إلا نادراً، لكن الله فعالٌ لما يريد .

استجمعت شجاعتي و خطوت داخل القسم عبر بوابته الحديدية الضخمة و التي يحيط برتاجها جنزير غليظ يتعلق به قفل أشد غلظة . لست أظنني متعجلاً لذا سوف أسهب في وصفه لكم . كأننا في السجن ، بل إنه لسجن حقاً ، سجن مع الأشغال الشاقة المؤبدة بكل تأكيد .

إصلاحات هنا و إصلاحات هناك في كل زاويةٍ و في كل ركنٍ ، لست أبالغ لو قلت لكم أنكم لو رفعتم كتابا مهملاً ملقىً على الأرض لوجدتموه قد غطى إصلاحاً من نوعٍ مختلفٍ .
أينما اتجهتم تجدون العمال المرهقين الذين أعياهم العمل المتواصل . لكم تبادرت إلى ذهني صور الآلاف من فلاحي الصعيد الذين ماتوا و هم يحفرون قناة السويس . نعم ، إن كلمة السُّخرة هي خير كلمةٍ تصف وضع هؤلاء المساكين خصوصاً بعدما وصل إلى مسامعي حوارٌ خفيضٌ دار بين اثنين منهم ..

- حسبنا الله و نعم الوكيل ، حسبنا الله و نعم الوكيل
- مالك يا محمد فيه إيه ؟؟
- يعني مش عارف فيه إيه .. ما إنت شايف بعينيك أهه اللي الولية دي بتعمله فينا
- هنعمل إيه يعني يا عبد الله .. أهو أكل عيشنا بقى و لازم نستحمل
- أيوة بس برضه ، ده ربنا اسمه الرحيم . يا أخي إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء
- آه و الله صحيح عندك حق .. ربنا قادر يخلص منها حقنا . دي مشغلانا ليل و نهار و أحيانا بتبيتنا هنا في القسم و لا كأننا عبيد عندها

سمعا صوتها الجهوري يجلجل فابتلع كلٌ منهما كلماته و ازدرد لعابه و تابعا عملهما في إنهاك.

دلفت إلى المكتب الذي تعمل فيه بخطوات متثاقلة ؛ بعد أن طرقت الباب المفتوح طرقتين خفيفتين كما تقتضي أساليب اللياقة . أين كل تلك الشجاعة التي كنت أشعر بها منذ قليل ؟؟!! أيقنت الآن أنها لم تكن إلا صحوةً كتلك الصحوة التي يشعر بها كل من يقبل على الوفاة أو كما نسميها نحن المصريون مجازاً ( صحوة الموت )

ليست هناك تعليقات: