19‏/08‏/2007

مذكرات طالب طب أراد مرة أن يكون مجتهداً 3



الفصل الثالث ... ذل و بهدلة


وصلت إلى الكلية و أنا منهك خائر القوى، أوتوبيس شرق الدلتا هذا لا يحتمل، إنه بالفعل لا يطاق. لم أركب جملاً من قبل لكني أظن أني أعرف الآن لم ركوب الجمال صعب. إن جلوسك على مقعد في أوتوبيس كهذا لا يختلف كثيراً عن ركوب الجمال، إنك تهتز و تتأرجح كما يهتز الهودج و يتأرجح فوق ظهر الجمل. تقولون: و ماذا في ذلك؟ أقول لكم قصم ظهري إلى نصفين و كأن ثورا نطحني كما يحدث في مصارعة الثيران. أكاد الآن أقسم أنه لو نطحني ثور كتلك الثيران لكانت حالي أفضل.

كان قد مضى من زمن المحاضرة دقائق عشر، فأخذت أحث الخطى علِّي أصل أسرع، لكني كنت واهماً فقد استوقفني رجال الأمن مطالبين إياي بإبراز الكارنيه. قلت في نفسي : " حبكت دلوقتي، ما أنا طول عمري بدخل من غيره لما باجي متأخر و اليوم اللي آجي فيه بدري يقولوا لي كارنيه. هو فيه حد أهبل هيصحى من الصبح من النجمة كده غير طالب متهبب على عينه رايح المحاضرة يعني"

قررت ألا أناقش و أن أنصاع للأوامر هذه المرة حتى ألحق بالمحاضرة، فقد كان من صميم هواياتنا مضايقة رجال الأمن عموماً. بحثت في جيوبي عن محفظتي لأخرج منها الكارنيه، إني لا أحمله عادة لكني اليوم و لسبب مجهول وضعته فيها. أين ذهبت تلك اللعينة إنها ليست في جيبي الأيمن. بحثت في الأيسر و لم أجدها، ترى أيمكن أن تكون في أحد الجيوب الخلفية؟؟ لا، لا ليست هناك، أين ذهبت يا ترى؟ بحثت مرة أخرى في جنون و هنا تكشفت لي الحقيقة المرة، لقد فقدتها.

أين؟ لا يمكنني الجزم هناك ألف ألف مكان يمكن أن أكون قد فقدتها فيه.
متى؟ لا أعلم، فأنا لم أخرجها من جيبي مذ خرجت من البيت. حتى تذكرة الجمل – عفواً – الأوتوبيس حلف صاحبي مائة ألف يمين أنه هو من سيدفع ثمنها.
هل سرقت أم سقطت؟ ما أسخفكم، و هل هذا يهم، لقد فقدتها و هذا هو ما يشغل بالي الآن.
الآن فقط عرفت السبب المجهول الذي دعاني إلى وضع الكارنيه فيها، كان يريدني أن أفقده، حتى هو؛ ذلك الخائن أراد الخلاص مني
.

كانت عينا رجل الأمن تتأملانني بريبة و حذر و كأنني مجرم عتيد الإجرام أو إرهابي لا يشق له غبار. جعلني أعتقد أني سفاح من الطراز الأول كسفاح المطرية، أهاجم النسوة و الأطفال فأقتل هذا و أذبح تلك. و شطح خيالي فرأيت نفسي كخط الصعيد يهابني الكل. لم يدم هذا طويلا، فقد قطعت كلماته حبل أفكاري البالي و الذي لا يصلح لنشر أية قطعة من الغسيل و هو يقول: " ها، هتقف تدور طول النهار. ما تخلصنا و إركن على جنب بلاش تعطلنا و تعطل زمايلك" نظرت إليه نظرة بلهاء بتوسل و رسمت ابتسامة حزينة على محياي و بصوت فيه رنة الأسى و الحزن قلت: " و الله العظيم المحفظة شكلها اتسرقت مني" أحسنت يا فتى، لو كانت أمينة رزق على قيد الحياة لصفقت لك إعجاباً على هذا الأداء الرائع
.

- نعم يا خويا هنستعبط و للا إيه؟
- لا و الله، أنا بقول الحقيقة
- ممنوع الدخول من غير كارنيه
- طب ما أنا كل يوم بدخل من غيره
- النهاردة غير كل يوم، النهارده في ظرف استثنائي. عشان كده لازم كارنيهات.
- طب و المحاضرة، و الله أنا جاي عشان المحاضرة.
- ما أعرفش إتصرف بقى، اتكل على الله و ورينا عرض قفاك
و هكذا مضيت كالمتشردين. بلا نقود، حتى في مظهري، كنت أشعث الشعر ممزق الملابس مصابا
بالجروح.

و الأدهى من ذلك كله أنني لن أحضر المحاضرة. لن أحضر المحاضرة؟ لا، لا يمكن أبدا. لم أقطع كل هذا الشوط الطويل لأظفر بلا شيء. أنا لن أستسلم، لست ممن يستسلمون بسهولة. هنا دارت بخلدي فكرة
أخرى..

هناك تعليق واحد:

طالب طب يقول...

شكراً لك